فصل: قال السلمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل، وهو قول من قال: إن موجودًا مّا غير الله تعالى يستقل بإحداث فعل وإيجاده وإن لم يعتقد كونَه إلهًا كالقدرية مجوس هذه الأُمة، وقد تبرّأ منهم ابن عمر كما في حديث جبريل عليه السلام.
ويلي هذه الرتبة الإشراك في العبادة وهو الرياء؛ وهو أن يفعل شيئًا من العبادات التي أمر الله بفعلها له لغيره.
وهذا هو الذي سيقت الآيات والأحاديث لبيان تحريمه، وهو مبطل للأعمال وهو خفِيّ لا يعرفه كلُّ جاهلٍ غبيّ.
ورضي الله عن المُحاسِبيّ فقد أوضحه في كتابه [الرعاية] وبيّن إفساده للأعمال.
وفي سنن ابن ماجه عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري وكان من الصحابة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى منادٍ من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل أحدًا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» وفيه عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المَسِيخ الدّجال فقال: «ألاَ أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال؟» قال: فقلنا بلى يا رسول الله؛ فقال: «الشّرْك الخَفِيّ أن يقوم الرجل يصلِّي فيزَيِّن صلاته لما يرى من نظر رجل».
وفيه عن شدّاد بن أوْس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أخوفَ ما أتخوّف على أُمتي الإشراك بالله أما إني لست أقول يعبدون شمسًا ولا قمرا ولا وثنًا ولكن أعمالًا لغير الله وشَهوة خفية» خرّجه الترمذِيّ الحكيم.
وسيأتي في آخر الكهف، وفيه بيان الشهوة الخفية.
وروى ابن لَهِيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال: «هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه».
قال سهل بن عبد الله التُّسْتُرِيّ رضي الله عنه: الرياء على ثلاثة وجوه؛ أحدها أن يعقد في أصل فعله لغير الله ويريد به أن يعرف أنه لله، فهذا صنف من النفاق وتشكك في الإيمان.
والآخر يدخل في الشيء لله فإذا اطلع عليه غير الله نَشِط، فهذا إذا تاب يزيد أن يعيد جميع ما عمِل.
والثالث دخل في العمل بالإخلاص وخرج به لله فعُرِف بذلك ومُدِحَ عليه وسكن إلى مدحهم؛ فهذا الرياء الذي نهى الله عنه.
قال سهل قال لقمان لابنه: الرياء أن تطلب ثواب عملك في دار الدنيا، وإنما عمل القوم للآخرة.
قيل له: فما دواء الرياء؟ قال كتمان العمل، قيل له: فكيف يكتم العمل؟ قال: ما كلفت إظهاره من العمل فلا تدخل فيه إلا بالإخلاص، وما لم تُكلَّف إظهاره أحبّ ألاّ يطلع عليه إلا الله.
قال: وكل عمل اطلع عليه الخلق فلا تعدّه من العمل.
وقال أيوب السّخْتِيَانِيّ: ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكانه من عمله.
قلت: قول سهل والثالث دخل في العمل بالإخلاص إلى آخره، إن كان سكونه وسروره إليهم لتحصل منزلته في قلوبهم فيحمدُوه ويجلّوه ويَبَرُّوه وينال ما يريده منهم من مال أو غيره فهذا مذموم؛ لأن قلبه مغمور فرحًا باطلاعهم عليه، وإن كانوا قد اطلعوا عليه بعد الفراغ.
فأمّا من أطلع الله عليه خلقه وهو لا يحب اطلاعهم عليه فيُسَرّ بصنع الله وبفضله عليه فسروره بفضل الله طاعة؛ كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
وبَسْطُ هذا وتتميمه في كتاب [الرعاية للمُحَاسِبي]، فمن أراده فليقف عليه هناك.
وقد سئل سهل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أسِرّ العمل فيُطّلع عليه فيعجبني» قال: يعجبه من جهة الشكر لله الذي أظهره الله عليه أو نحو هذا.
فهذه جملة كافية في الرياء وخُلوص الأعمال.
وقد مضى في [البقرة]. حقيقة الإخلاص. والحمد لله. اهـ.

.قال في البحر المديد:

واعبدوا الله، أي: بالقيام بوظائف العبودية، ومشاهدة عظمة الربوبية، وقال بعض الحكماء: العبودية: ترك الاختيار، وملازمة الذل والافتقار. وقيل: العبودية أربعة أشياء: الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود، وعنوان ذلك صفاء التوحيد، ولذلك قال: {ولا تشركوا به شيئًا} أي: لا تَرَوْا معه غيره، كما قال القائل:
مُذْ عَرَفْتُ الإِلهَ لَم أرَ غَيْرًا ** وكَذَا الغَيْرُ عِنْدنَا ممْنُوعُ

وقال آخر:
لو كُلفت أن أرى غيره، لم أستطع ** فإنه لا غير معه حتى أشهده

فإذا حصلت العبودية في الظاهر، وتحقق التوحيد في الباطن، ظهرت عليه مكارم الأخلاق فيُحسن إلى الأقارب والأجانب، ويجود عليهم بالحس والمعنى، لأن الفتوة من شأن أهل التوحيد، ومن شيم أهل التجريد، كما هو معلوم من حالهم. اهـ.

.قال الفخر:

النوع الثاني: قوله: {وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} وذلك لأنه تعالى لما أمر بالعبادة بقوله: {واعبدوا الله} أمر بالاخلاص في العبادة بقوله: {وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} لأن من عبد مع الله غيره كان مشركًا ولا يكون مخلصًا، ولهذا قال تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5]. اهـ.

.قال الألوسي:

{واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} كلام مبتدأ مسوق للإرشاد إلى خلال مشتملة على معالي الأمور إثر إرشاد كل من الزوجين إلى المعاملة الحسنة، وإزالة الخصومة والخشونة إذا وقعت في البين وفيه تأكيد لرعاية حق الزوجية وتعليم المعاملة مع أصناف من الناس، وقدم الأمر بما يتعلق بحقوق الله تعالى لأنها المدار الأعظم، وفي ذلك إيماء أيضًا إلى ارتفاع شأن ما نظم في ذلك السلك، والعبادة أقصى غاية الخضوع، و{شَيْئًا} إما مفعول به أي لا تشركوا به شيئًا من الأشياء صنمًا كان أو غيره، فالتنوين للتعميم.
واختار عصام الدين كونه لتحقير ليكون فيه توبيخ عظيم أي لا تشركوا به شيئًا حقيرًا مع عدم تناهي كبريائه إذ كل شيء في جنب عظمته سبحانه أحقر حقير ونسبة الممكن إلى الواجب أبعد من نسبة المعدوم إلى الموجود إذ المعدوم إمكان الموجود، وأين الإمكان من الوجوب؟ ضدان مفترقان أيّ تفرق، وإما مصدر أي لا تشركوا به عز شأنه شيئًا من الإشراك جليًا أو خفيًا، وعطف النهي عن الإشراك على الأمر بالعبادة مع أن الكف عن الإشراك لازم للعبادة بذلك التفسير إذ لا يتصور غاية الخضوع لمن له شريك ضرورة أن الخضوع لمن لا شريك له فوق الخضوع لمن له شريك للنهي عن الإشراك فيما جعله الشرع علامة نهاية الخضوع، أو للتوبيخ بغاية الجهل حيث لا يدركون هذا اللزوم كذا قيل: ولعل الأوضح أن يقال: إن هذا النهي إشارة إلى الأمر بالإخلاص فكأنه قيل: واعبدوا الله مخلصين له ويؤل ذلك كما أومأ إليه الإمام إلى أنه سبحانه أمر أولًا بما يشمل التوحيد وغيره من أعمال القلب والجوارح ثم أردفه بما يفهم منه التوحيد الذي لا يقبل الله تعالى عملًا بدونه فالعطف من قبيل عطف الخاص على العام. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.
عطف تشريع يختصّ بالمعاملة مع ذوي القربى والضعفاء، وقُدّم له الأمرُ بعبادة الله تعالى وعدممِ الإشراك على وجه الإدماج، للاهتمام بهذا الأمر وأنّه أحقّ ما يتوخّاه المسلم، تجديدًا لمعنى التوحيد في نفوس المسلمين كما قُدّم لذلك في طالع السورة بقوله: {اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} [النساء: 1].
والمناسبة هي ما أريد جمعه في هذه السورة من أحكام أواصر القرابة في النسب والدين والمخالطة.
والخطاب للمؤمنين، قُدّم الأمر بالعبادة على النهي عن الإشراك، لأنّهم قد تقرّر نفي الشرك بينهم وأريد منهم دوام العبادة لله، والاستزادة منها، ونُهُوا عن الشرك تحذيرًا ممّا كانوا عليه في الجاهلية.
ومجموع الجملتين في قوة صيغة حصْر؛ إذ مفاده: اعبدوا الله ولا تعبدوا غيره فاشتمل على معنى إثبات ونفي، كأنّه قيل: لا تعبدوا إلاّ الله.
والعدول عن طريق القصر في مثل هذا طريقة عربية جاء عليها قول السموأل، أو عبدِ الملك بن عبد الرحيم الحَارثي:
تَسيلُ على حَدّ الظُّبَاتتِ نُفُوسُنا ** وليستْ على غَيْرِ الظُّبَات تَسيل

وإنّما يصار إليها عندما يكون الغرض الأول هو طرف الإثبات، ثم يقصد بعد ذلك نفي الحكم عمّا عدا المثبت له، لأنّه إذا جيء بالقصر كان المقصد الأوّل هو نفي الحكم عمّا عدا المذكور وذلك غير مقتضَى المقام هنا، ولأجل ذلك لمّا خوطب بنو إسرائيل بنظير هذه الآية خوطبوا بطريقة القصر في قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تبعدون إلاّ الله وبالوالدين إحسانًا} [البقرة: 83] الآية، لأنّ المقصود الأوّل إيقاظهم إلى إبطال عبادة غير الله، لأنّهم قالوا لموسى: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} ولأنّهم عبدوا العجل في مدّة مناجاة موسى ربَّه، فأخذ عليهم الميثاق بالنهي عن عبادة غير الله.
وكذلك البيت فإنّ الغرض الأهمّ هو التمدّح بأنّهم يُقتلون في الحرب، فتزهق نفوسهم بالسيوف، ثم بدا له فأعقبه بأنّ ذلك شنشنة فيهم لا تتخلّف ولا مبالغةَ فيها.
و{شيئًا} منصوب على المفعولية لـ {تُشركوا} أي لا تجعلوا شريكًا شيئًا ممّا يعبد كقوله: {ولن نشرك بربنا أحدًا} [الجن: 2] ويجوز انتصابه على المصدرية للتأكيد، أي شيئًا من الإشراك ولو ضعيفًا كقوله: {فلن يضروك شيئًا} [المائدة: 42]. اهـ.

.قال النسفي:

قيل: العبودية أربعة: الوفاء بالعهود، والرضا بالموجود، والحفظ للحدود، والصبر على المفقود. اهـ.

.قال السلمي:

قوله عز وجل: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا}.
قال أبو عثمان رحمه الله: حقيقة العبودية قطع العلائق والشركاء عن الشرك.
وقال الجنيد رحمه الله: إذا أحزنك أمر فأول خاطر تستغيث به فهو معبودك.
وقال ابن عطاء رحمه الله: الشرك أن تطالع غيره أو ترى سواه ضرًا ونفعًا.
وقال بعضهم رحمه الله: العبادة أصلها ستة: التعظيم والحياء والخوف والبكاء والمحبة، والهيبة، من لم يتم له هذه المقامات لم تتم له العبودية.
وقال الطيب البصرى رحمه الله: من لم يدرج وفاء العبودية في عز الربوبية، لم تصف له العبودية.
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: دللهم ثم ذللهم ليعرفوا بالدّل فاقة العبودية، وبالذُّل عز الربوبية.
وقال ابن عطاء رحمه الله: العبودية ترك الاختيار وملازمة الذل والافتقار.
وقال أيضًا: العبودية ترك الاختيار وهى جامعة لأربع خصال: الوفاء بالعهود والحفظ للحدود والرضا بالموجود والصبر عن المفقود.
وقال بعضهم رحمه الله: العبودية بناؤها على ستة خصال: التعظيم وعنده الإخلاص، والحياءُ وعنده اضطراب القلوب، والمحبة وعندها الشوق، والخوف وعنده ترك الذنوب، والرجاء وعنده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتخلق بأخلاقه، والهيبة وعنده ترك الاختيار. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

النوع الثالث: قوله: {وبالوالدين إحسانا} واتفقوا على أن هاهنا محذوفا، والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانا كقوله: {فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] أي فاضربوها، ويقال: أحسنت بفلان، وإلى فلان.
قال كثير:
أسيئى بنا أو أحسنى لا ملومة ** لدنيا ولا مقلية إن تقلت

واعلم أنه تعالى قرن إلزام بر الوالدين بعبادته وتوحيده في مواضع: أحدها: في هذه الآية، وثانيها: قوله: {وقضى رَبُّكَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إلاّ إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23] وثالثها: قوله: {أَنِ اشكر لِى ولوالديك إِلَىَّ المصير} [لقمان: 14] وكفى بهذا دلالة على تعظيم حقهما ووجوب برهما والاحسان اليهما.